احمد ذيبان
لا مفاجآت في نتائج الانتخابات النيابية ، فالمخرجات هي إفراز لمدخلات قانون الانتخاب الجديد ،الذي يمكن وصفه الآن بعد التجربة بأنه «سيء الذكر» لكن إحدى المفاجآت ، ما حدث من اعتداء على الصناديق أو سرقتها وتبديل الأوراق في داخلها في إحدى الدوائر.. والقصة معروفة ، وهو مشهد» كوميدي « يذكر بحقبة مضت ،عندما كان يتم تغيير بعض الصناديق، أو استبدال الاوراق التي في داخلها لصالح مرشح بعينه.
ما حدث لا تتحمل مسؤوليته الهيئة المستقلة للانتخاب، سواء في تلك الدائرة، أو بالنسبة لعمليات الاحتجاج والتخريب التي قام بها أنصار مرشحين فشلوا فهوعنف اجتماعي مرفوض، لا يستطيع معالجته رئيس الهيئة الدكتور خالد الكلالدة ، بكل خبرته ك «طبيب عظام»، ربما لو كان طبيبا نفسيا، لكان أقدر على كتابة وصفة.
فاجأني صديق عندما سألته لمن أعطيت صوتك ، بقوله أنه انتخب قائمة لا يعرف مرشحيها قلت كيف ذلك ؟ أجاب: فرضت علي قوائم «نخب ثالث» التي تم تصنيعها مثل عصير الكوكتيل ، لا هوية سياسية أو برامجية لها، وتحمل أسباب التفكك بعد انتهاء « العرس الانتخابي»، وقيل في نقدها الكثير ولا أريد تكرار ذلك ،ومن سخريات القانون أن بعض من لديهم تجربة سياسية وحزبية طويلة ، اضطروا للانضمام لقوائم يقودها أشخاص ،هبطوا فجأة بالمظلات للحياة السياسية.
ويضيف الصديق: لدي العديد من المرشحين الأصدقاء، أو الذين أثق بقدرتهم على التمثيل ،وسيرتهم العملية والعلمية وحضورهم الاجتماعي والسياسي ، يؤهلهم للنيابة ، لكنهم موزعين في قوائم متنافسة ويلزمني القانون انتخاب قائمة واحدة وعليه قررت انتخاب القائمة الوحيدة المتجانسة، ولها هوية واضحة ولديها برنامج، فأشرت على اسم القائمة، وعلى جميع مرشحيها دون أن أتوقف عند الاسماء أو الصور.
هذا السلوك يعيد طرح أسئلة جوهرية بشأن قانون الانتخاب ،وقصة شرط انضمام المرشح الى قائمة على مستوى الدائرة ، وحتى المواطنين البسطاء وغير المسيسين اكتشفوا يوم الاقتراع ، أن القوائم كانت أقرب الى «ألغام» انتخابية ، وساهمت بتفتيت الكتل الانتخابية والمجتمعية ، وسهلت حضور المال السياسي ، وسقط الرهان عليها في إمكانية تشكيل تحالفات سياسية وبرامجية حقيقية على مستوى الدائرة.
ما فعله صديقنا هو تمرين ديمقراطي والطموح ان نصل الى هذه الدرجة من السلوك السياسي، وذلك يتطلب وجود نظام انتخابي، يتيح للناخب أن يختار قائمة لها هوية سياسية وبرنامج واضح، وهو النهج المتبع في الديمقراطيات الراسخة، حيث يختار الناخب قائمة الحزب «س» ، بغض النظر عن أسماء المرشحين في تلك القائمة، لأن ثمة مرجعية سياسية لهذه القائمة ،وهو الحزب الذي يختار مرشحيه ويحاسبهم على أدائهم وربما يستبدل بعضهم اذا كان أدائهم ضعيفا، وهذا الحزب يخوض الانتخابات سعيا للحصول على أغلبية برلمانية، تمكنه من تشكيل حكومة ،أو الحصول على نسبة مقاعد تؤهله الى المشاركة في ائتلاف مع حزب آخر أو أكثر لتشكيل حكومة، أو الوقوف في صفوف المعارضة وتشكيل «حكومة ظل»، وممارسة الضغط السياسي على الحزب الحاكم.
وفي حالة وصول الحزب الى الحكم بشكل منفرد أو بالتحالف ، فان مساءلة الحزب من قبل الناخب على التزامه ،بتنفيذ برنامجه الذي طرحه خلال الحملة الانتخابية ،فهو لا بد أن يعود للناخبين في الانتخابات التالية هذه هي اللعبة السياسية في الدول الديمقراطية.
في مجتمعنا يوجد فائض في عدد الأحزاب، ربما يناهز الخمسين حاليا ، لكنها مجرد أرقام مرتبط غالبيتها بأسماء أشخاص، غير قادرة على الوصول الى البرلمان بقائمة ، باستثناء حزب واحد له قاعدة جماهيرية وحضور في الشارع، وهذا حديث يطول، لكن التجربة الطازجة لتطبيق قانون الانتخاب ، كشفت أن قانون الانتخاب لم يمكن الاحزاب من الوصول للبرلمان، بل ربما وضع أمامها مطبات ،فبقيت عمليا على هامش الحراك الانتخابي، الأمر الذي يضع أمام المجلس النيابي الجديد ، ضرورة إعادة النظر في قانون الانتخاب. وإصلاح الخلل الفادح الذي انطوى عليه ،خاصة فيما يتعلق بإيجاد آلية تسهل تشكيل قوائم سياسية وتحفيز الأحزاب وهو ما يمهد الطريق للوصول الى الحكومات البرلمانية.
[email protected]